إنجيل اليوم (لو 15/ 3-7)
3 قالَ الرَّبُّ يسوع هَذَا المَثَل:
4 "أيُّ رَجُلٍ منكم، له مِئَةُ خَروف، فَأضَاعَ واحِدًا منها، لا يترُكُ التِّسعَةَ والتِّسعِينَ في البَرِّيَّةِ ويَذهَبُ وَرَاءَ الضَّائِعِ حتَّى يَجِدَهُ؟
5 فَإذا وَجَدَهُ حَمَلَهُ على كَتِفَيهِ فَرِحًا.
6 ويَعُودُ إلى البَيت فَيدعُو الأصدِقَاءَ والجِيرَان، ويَقولُ لَهُم: افرَحُوا مَعِي، لأنِّي وَجَدتُ خَروفِيَ الضَّائِع!
7 أقول لكم: هَكَذا يكونُ فَرَحٌ في السَّمَاءِ بِخاطِئٍ واحِدٍ يَتُوب، أكثَرَ من تِسعَةٍ وتِسعينَ بارًّا، لا يَحتَاجونَ إلى التَوبَة!".
أولًا قراءة للنصّ
يجيب يسوع على انتقاد الفرّيسيّين والكتبة له، وعلى تذمّرهم منه، لانّه "يستقبل الخطأة ويأكل معهم" (2)، بثلاثة أمثال، مَثَل الخروف الضائع (3-7)، ومَثَل الدرهم الضائع (8-10)، ومثل الابن الضائع (11-32)؛ للمثل الأول، مثل الخروف الضائع، نصّ موازٍ في متّى (18/ 12-14)، أمّا المثَلان الآخَران، فيتفرّد لوقا بهما؛ والجدير بالذكر أنّ ما يُقال في شرح مثل الخروف الضائع ينطبق تمامًا على مثل الدرهم الضائع، من حيث المقصود، لا من حيث الإطار الكتابيّ.
مضمون المثل: إذا افترضنا أنّ إنسانًا، له مئة خروف، وأضاع واحدًا منها، فماذا تراه يعمل؟ إنّه، بشهادة الواقع، يفكّر بالخروف الضائع، وينهمّ بسبب ضياعه؛ ثّم يذهب مفتّشًا عنه، متحمّلًا المشقّات والتعب...، ومواصلًا التفتيش حتّى يجده؛ وعندما يجده، يحمله على كتفيه، بفرح غير مبالٍ بثقله، ويأتي به إلى البيت، ويدعو الجيران والأصدقاء ليشاركوه في فرحه؛ هكذا الله، فإنّه يهتمّ بكلّ خاطئ، ويفتّش عنه، وينتظر عودته تائبًا؛ ويكون فرح كبير في السماء بتوبته؛ يسوع أتى وأظهر هذا الإهتمام...، وهو لا يزال في هذا العالم، بروحه وبكنيسته، مفتّشًا عن الخطأة، وداعيًا كلًّا منهم، شخصيًّا إلى التوبة.
يقود يسوع الفرّيسيّين والكتبة، بمَثَلي الخروف الضائع والدرهم الضائع، إلى اكتشاف التناقض في موقفهم، إذْ يقرّون بواجب الاهتمام والسعي لاسترجاع الضائع إذا كان حيوانًا (خروفًا)، أو شيئًا (درهمًا)، وينكرون ذلك، ويعتبرونه مخالفة للشَّريعة، إذا ما كان الضائعُ إنسانًا (الخاطئ)! لماذا لا يتّخذون الموقف الإيجابيّ نفسه، بالنسبة إلى الإنسان الذي هو أيضًا "خروف ضائع" و"درهم ضائع"؟ أليس، بالأحرى، الاهتمام الخاطئ والتفتيش عنه ألزم منه عن الخروف وعن الدرهم؟
ويختم يسوع كلامه في المثَلَين بالإعلان عن أنّ موقفه من العشّارين والخطأة هو موقف السماء بالذات، هو موقف الله الآب الذي أرسله إلى هؤلاء، وهو، بدوره، أرسل لهم رسلًا وتلاميذ وكنيسة وروحه القدوس...؛ ويضيف يسوع قائلًا: بأن السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب، من هؤلاء العشّارين والخطأة، أكثر من تسعة وتسعين بارًّا (ربّما هم الفرّيسيّون والكتبة أنفسهم)، لا يحتاجون إلى التوبة.
ألا نعير، نحن، أكثر الأحيان، انشغالاتنا مع الأشياء اهتمامًا أكبر من انشغالنا مع بعضنا بعضًا؟ هوذا يسوع مثالنا، لم يكن لديه اهتمام إلّا بالناس! أَلاحظنا ذلك، وأخذناه بالاعتبار؟ ألا تقول القوانين، بالعموم، بأنّ على المسؤول، وبخاصة الكنسيّ، الاهتمام بالأشخاص، تاركًا لآخرين الاهتمام بالأشياء؟ وهل اهتمامنا بالناس يتّجه نحو الذين يروقون لنا؟ أم إنّنا نترك هؤلاء، كما ترك الراعي التّسعة والتّسعين، ونذهب مفتّشين عن المبتعدين، وعن النافرين؟
ثانيًا "قراءة رعائّية"
قراءتنا لهذا الفصل (15) من إنجيل لوقا تجعلنا نكتشف محبّة الله الآب، التي هي أساس تصرّف يسوع مع البشر؛ انتقد بعضهم يسوع، وتشكّكوا من تضامنه مع الخطأة، مع خلفيّة اعتبار نفوسهم أبرارًا؛ فروى يسوع، جوابًا لهم، ثلاثة أمثال تشدّد على اهتمام الآب بالضالّين، وتدعو التلاميذ إلى التشبّه بالآب السماويّ.
الآية (3)
صورة الراعي والقطيع تعبّر عن علاقة الله بشعبه (لو 12/ 32)؛ ووجود الخروف الضالّ صورة عن الخلاص (جمع الشعب)؛ يشدّد متّى في (18/ 12-14) على مسؤوليّة الرعاة في الكنيسة تجاه الصغار في الجماعة؛ أمّا لوقا، فيحدّثنا عن الله الذي يطلب الخاطئ: استبعد الفرّيسيّون الخطأة، أما الله فيستقبل الجميع، لأنّه إله المحبّة.
الآية (7)
موقف السماء بعيد عن موقف الفرّيسيّين وتذمّراتهم: صدى التوبة، هنا، فرح السماء.
الأب توما مهنّا